ضياءالدين بلال يكتب:- ظاهرة غريبة!

ضياءالدين بلال يكتب:-
ظاهرة غريبة!
(1)
استمعتُ مرارًا إلى دعوات تُنادي بضرورة الاستفادة من التجربة الماليزية في تأسيس مشروع نهضوي سوداني.
عدد من المسؤولين والسياسيين توجّهوا في مرات سابقة إلى العاصمة الماليزية، للحصول على الوصفة السحرية!
لكن الملفت في الأمر، هو ما يمكن وصفه بظاهرة غريبة في سلوكنا الجمعي: ميلٌ مفرط إلى التقليد الأعمى، ومحاولات استنساخ تجارب الآخرين دون مراعاة للفوارق البنيوية بين المجتمعات.
(2)
النزوع نحو التقليد غالبًا ما يكون اجتهادًا كسولًا، يبتغي تحقيق نجاح سريع بأقل جهد وفي أقصر زمن.
في السودان، إنْ نجح مشروع تجاري في منطقةٍ ما، سرعان ما تُقام حوله مشاريع مشابهة تقدم نفس الفكرة والخدمة.
ومع تزايد عدد الخيارات وتضخُّم العرض على حساب الطلب، يفشل المشروع الأول وتتعثر المشاريع الجديدة؛ فالزحام يخنق النجاح ويقلل الأوكسجين.
(3)
وبذات هذه الذهنية الاستنساخية، تفشل العديد من المشاريع الكبرى؛ لأنها تنشأ بدافع المشابهة، لا بناءً على دراسات جدوى حقيقية أو مؤشرات نجاح محتملة.
حين سأل الإعلامي علي الظفيري، عبر قناة الجزيرة، مهاتير محمد عن محاولات بعض الدول الإسلامية الاستفادة من التجربة الماليزية، ابتسم مهاتير ابتسامة جمعت بين التعاطف والسخرية، وأشار إلى السودان، قائلًا إن عددًا من المسؤولين السودانيين حاولوا نقل التجربة إلى بلادهم، لكنها فشلت بسبب اختلاف التكوين الثقافي للشعوب.
(4)
ما قاله مهاتير يُمثّل نقطة جوهرية لفهم اختلاف نتائج مشاريع النهضة بين مجتمع وآخر وتجربة وأخرى.
في السودان، نُعاني من علل مزمنة تُقعدنا عن النهوض وتُثقل خُطانا نحو التقدُّم.
تتناوب الحكومات وتتعدد الأنظمة، لكن النتيجة النهائية واحدة.
المناظر هي ذاتها.. الصور نفس المشاهد
الشوارع والبيوت.. الأماكن والمقاعد
والزمان ثابتٌ مكانه.. والرقم لسه واحد.
(5)
السبب واضح؛ فالنادي السياسي، منذ نشأته سواءً في الحكم أو المعارضة، يخضع لثقافة واحدة وخطاب واحد.
تتبدّل المواقف بتبدُّل المواقع، وتُعاد الأقوال نفسها لكن بألوان مختلفة؛ الكل يغترف من ذات النبع، وبذات الإناء الصدئ المثقوب.
كثيرٌ من الزملاء الكُتّاب، وهم يتناولون الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، يذهبون إلى أنها أزمة سياسية في جوهرها، تجلّت في مظاهر اقتصادية.
يختزلون الأمر في السياسة، ويفترضون أن الحل يكمن في تغيير من هم في الحكم، بمن هم في الرصيف!
لكن هذا التصوّر أحد تجليات الأزمة نفسها؛ ففي كل مرة يُراهن على التغيير السياسي عبر الانقلابات أو الثورات، وما إن يحدث التغيير وتتبدّل الوجوه، حتى يبدأ منلوج البكاء على الماضي والتحسُّر عليه.
أخيرًا
إذا لم تتغير ثقافة المجتمع والنادي السياسي، فلن تُحلّ مشكلاتنا السياسية أو الاقتصادية.
وسنظل في قاع الجُب، ننتظر حبل سيارةٍ لا يأتون أبدًا…!