التغيرات الجزرية ضرورةحتمية في إعادة الاعمار بقلم /د.نجم الدين صالح أحمد

التغيرات الجزرية ضرورةحتمية في إعادة الاعمار
بقلم /د.نجم الدين صالح أحمد
السودانين كطبيعة بشرية على العموم ميالين للاعمال المرئية ولو كان هذه الاعمال ذات شكل ظاهري لا تقدم دورها المطلوب لان عقلية السودان لا ترضى ان تشارك في عمل سيكون اخراجه النهائي على ايادي اخرين قد يكونوا من بعده بعد ان تتخطاه الوظيفة العامه نتيجة النقد الشعبوي الذي لا يهتم الا بالاعمال المرئية ولا يتبصر الاعمال التراكمية لمشاريع كبيرة تكتمل خلال فترة زمنية.
📌 الامر الثاني :- ان المسيطر على اداره الدولة جهات تنفيذية وهذا مثالا خاطئ وغير سليم للادارة في فترات الأعمار ، ففي البلدان ذات البنية التحتية الضعيفة او المتهالكه او التي مرت بكارثة بالذات اذا كانت البنيه التحتية ضعيفة ومتهالكه من قبل الكارثة يتحتم ان تكون هنالك جهة تخطيطية تضع خطة شاملة ومن ثم هي نفسها تشتغل عليها، وعليه فان قيادة مرحله التعمير مسؤلية المخططين وفريق عملهم التنفيذي على ان يترك للتنفيذيين الأعتياديين المسيرين لدولاب الدولة مرحلهة ما بعد اعادة الاعمار ، بل ان في بعض الدول البيروقراطية صممت أجهزه تنفيذية جديدة منفصلة عن الجهاز التنفيذي القديم وبعقلية مختلفة لاستلام المؤسسات من الجهات المشرفة على اعادة الاعمار هروبا من عقلية الموظفين التنفيذين التقليدين الذين عادة ما يميلوا لوضع الحواجز للتكسير حتى لا تفلت منهم ادوات السيطرة وتغلق عليهم أبواب الفساد بفعل الانسيابية في روح العمل الجديد . ويمكننا رصد مثل هذه التجارب في دول كثيرة طبقت هذه المعايير مثل ماليزيا ومصر وأثيوبيا والكثير من الدول.
📌الامر الثالث هو:- ان وجود عدد محدود من الفنيين وما يعرفوا باصحاب الخبرة في السودان وبسبب الحرب وماقبلها وما قبلها اُجبرت ادارة الدولة على الرضوخ والقبول بامكانيات الفنينين الموجودين والمتوفرين داخل السودان بغض النظر عن خبراتهم، وعليه فان ذلك أثر وسيوثر على مستوى الرؤية لقيادات العمل وستكون في تقديري قاصرة ضيقة لا تستوعب المسؤليه الكبيرة التي القتها لهم الاقدار فتاتى الكثير من القرارات غير عميقة ولا ترغب في القيام بعمل جزري وانما تميل لادارة الدولاب القديم وبمستوى اقل نتيجه قلة الخبرة حتى بالمقارنة بالمستوى القديم الذي كان اصلا ضعيفا.
📌 اخيرا من ظواهر وعيوب اداره الدولة السودانية هو البناء القشري للمشاريع والخدمات مما يتيح رؤية بصرية لانجازات لا تحمل احيانا عمق واستدامة فتكون الخدمات ضعيفة وقابلة للتهالك او التعطل الجزئ او التام في فترة زمنية قصيرة وهي في الاساس لا تحمل استدامة تشغيلها حتى لو كانت محافظة على وضعها المتهالك ناهيك عن تخلفها التطوري نتيجة اختيار مواصفات اقل بحكم التكلفة التأسيسية. وعليه فان الرؤيه السليمة لاعاده الاعمار كان يجب ان تراعي كل ذلك بانشاء بنية تحتيه متماسكة مستدامة في شكل بنيه تراكميه تعمر مشروع فمشروع مهما تزايدت الضغوط بقله المواعين الخدمية، بحيث تؤسس المراكز الخدمية بمواصفات مستقبلية متماسكه وتوفر لها الاستدامه عبر مشاريع مخصصه لخدمه هذا المشروع الخدمي ويمكن ان افسر هذه المعلومةذ بمثالين صغيرين، جامعه الخرطوم كانت لها اوقاف من منطقه تجارية واسعه مملوكة وموقوف ريعها لصالح الجامعة وايضا مجموعة من المشاريع الزراعيه والبيطرية كلها تخدم الجامعة وهذا كان النمط القديم لاستدامة التمويل الذاتي، الان تغير الوضع لمشاريع صناعية اوتجارية تكون هي الممول الرئسي للمشروع الخدمي المستهدف وهذا الشركات تمول من تبرعات المنفعلين بدعم المشروع الخدمي كمستشفى مثلا، اما عن العقل التخطيطي فيجب ان يكون مستوعب المستقبل فيضع مواصفات تراعي المتانة والعمر الافتراضي الطويل للمشروع، ويطلع الناس من عقلية الترقيع التي تخدم سياسيا باعتبار ان الدولة تجاوزت العوائق واستعادت قدراتها ولكنها في الاصل اطار شكلي لا يلبي الحوجة الحقيقية ولا التوسع المستقبلي. وعليه فان الادارة المركزية لمشروع اعاده الاعمار هو اصل اصيل يضع الناس في تخطيط سليم صالح للتنفيذ لعقد او عقدين هو الحل الجزري الذي يصنع مؤسسات حقيقية قادره على العطاء.
لقد كان من المتوقع ان يكون هنالك مشروع لعقد مؤتمر موسع لاعاده أعمار الصحة في السودان تشارك فيه وزاره الصحة الاتحادية والولائيات والقطاع الخاص والمنظمات المانحة والدول المانحة وجموع الاطباء من مراكزهم المختلفة داخل وخارج السودان والشركات الطبيه وشركات التأمين ورأس ماليه وطنية أضافه الي وزارة الماليه والجمارك والضرائب والكهرباء، وتعد من قبل ذلك دراسات واوراق وتقوم ورش فنية تحضيرية كل ذلك لصياغة خطة شامله تستهدف تأسيس الأولويات ويتحمل الجميع مسؤلياته ويرشح عن ذلك جسم تخطيطي تنفيذي منفصل لكنه متصل بقنوات بالجهاز التنفيذي للدولة على ان تقر وتدعم اداره البلد الحقيقيه هذا المشروع وهي تعلم ان هذا الجهاز التخطيطي التنفيذي المفوض لن يطالب بأكثر مما هو متاح له ولكن ممنوح صلاحيه التواصل وعقد الشراكات والاتفاقيات بالداخل والخارج، مع العلم ان هذا الجسم يضم مؤسسات الدولة كفاعل وكمراقب. ولكن يبدو ان الوزارة غير قادرة على انجاز ذلك وكأنما هذا الامر صعب التحقق أو أنه مستحيل الادراك.
وللمفارقة وانعكاسا للشخصية السودانية الوظيفيه فقد رصدنا مشروع اعاده تشغيل سوق امدرمان بكل العيب التخطيطي الذي كان يتسبب في الزحمة والاحتقان قبل الحرب على وضعه القديم بل وبأمكانيات أقل وعندها يمكننا أن ندرك ان الدولة عينها على الفعل والزخم السياسي بانها استعادت السيطره على الخرطوم واعادت الخدمات الحيوية كالسوق في رسالة تطمينية للمواطن وللخارج، كما ان عقليه التنفيذين تفتقت الي استعاده الجبايا والتشغيل دون الالتفات الي ان هذا المكان كان يشكل كارثة تخطيطية للمدينة بالضيق والاحتقان الذي أنشأه في وسط المدينة وقد جاءت حرب هجرت سكانها فما هي الصعوبة في ان يعاد التخطيط ليتلافى التنفيذيون العيوب التخطيطية القديمة؟! كأن ينشأ نفقين مثلا او ان تتم توسعة الشوارع على حساب المباني، خاصه وان المواطنين كانو قد نزحو والوقت ملائم. لكنها عقلية اركان السياسيين، التي لا تنظر ولا تخدم الحاضر ولا المستقبل، وقس على ذلك فان اعاده تأهيل المستشفيات لوضعها القديم بل بأقل من ذلك بكتير، هذا أيضا قرار غير سليم، وان تتحرك كل مؤسسة لحل مشاكلها في جزر متفرقه دون خطة كليه متفق عليها أيضا يعتبر نمط غير سليم.
أعتقد أنه حان الوقت ان تُمارس الحلول والرؤى المستقبلية حتى لو يبدأ الناس بمستشفى واحد يكون في مستوى الطموحات العملية والمستقبلية، فيتم انجازه ومن ثم يتدافع المنفذون للثانية فالثالثة فينفعل المجتمع المحلي والاقليمي والدولي المانح بالتجربة ويسهمو في خطة كبيره واضحه المعالم تتحكم فيها فقط الجهة التخطيطية ولا تتدخل الاهواء السياسية والمناطقية. هذا هو الذي يتوقعه المجتمع ولكننا دائما نتفاجأ بعقلية الاداري السياسي الذي يميل لعكس انجازات حتى لو كانت محدوده عبر اصلاحات ترقيعية غير عميقه وغير جزرية على شكل مساحه أوسع ترى كمكتسبات بأعتبار أعاده الكثير من المنشأت الصحية للعمل ولا يشترط ملائمتها للمستقبل. وأن الخلاصه التي يجب أن نخرج بها هي أن مسألة إعاده الأعمار مسؤليه تخطيطية في الأساس ويجب ان تدار بجسم منفصل عن الجهاز التنفيذي لتحقيق الطموحات المرجوه والمتوقعة.