الإعلامي /الزبير نايل يكتب:- استراحة عيد … تحت ظلال الشينين

الإعلامي /الزبير نايل يكتب:-
استراحة عيد …
تحت ظلال الشينين
صديقي (ع.ص) الذي تجمعني به صلة رحم، رجلٌ من سلالة الفرح، دائما ما يُضيف كأسا من السرور إلى بحر بهجته بالعيد.. اتصلتُ به بعد انتصاف نهار أول أيام العيد، فأتاني صوته خافتا كمن يُغالب النعاس وواهِنا كخيطِ دخانٍ يتصاعد من جمر على وشك الانطفاء ..
تخيلته متمددا على أريكة بعينٍ مغمضة وأخرى تتفحص سقف الغرفه بلا هدى ، انتابني قلق فقد حسبتُ أن وعكة داهمته، لكن الحقيقة كانت غير ذلك بكثير…
الرجل كان أسير “الشِينين”!
وحتى لا يذهب عقل أحدكم بعيدا لا قدر الله ، فإن الشينين هما “شية” و”شربوت”.. ذلك الثنائي الذي يُقيم له السودانيون عيدا داخل العيد، كطقس موازٍ يفيض بالروائح والمذاق والضحكات… وصديقي هذا أعرفه جيدا فهو شديد الاحتفاء بهما …
الشية، أمرها معلوم حتى للناطقين بغير (السودانية) لكنّ أهل بلاد النيل لهم فيها مذاهب شتى بل أقاموا لها أسواقا ومضارب في أطراف المدينة من لدن قندهار إلى سوق الناقة حتى أن الزائر لتلك الأمكنه تتراءى له من بعيد سحب الدخان الشهي..
أما الشربوت، فتلك قصة أخرى…
هو عصيرُ تمر ٍتتم معالجته بطريقة معقدة، لكنه لا يُشرب ببراءة العصائر.. .. وهو في العموم لا يبلغ بشاربه حدّ الهذيان، لكنه يمنحه بهجة خفيفة غامضة، كأنه يضحك دون سبب، أو يتأمل طيفا شاردا.
والسودانيون منحوا كل مناسبة مذاقها الخاص، فمثلما توجوا (الحلو مر) سيداً على مشروبات رمضان ، فقد جعلوا الشربوت عنوانًا لكتاب عيد الأضحى لدرجة أنهم حيثما ارتحلوا، أخذوا معهم هذه الطقوس ترافقهم في مهاجرهم وشتاتهم، لتكون ذاكرة تنقل إليهم أنفاس الوطن والأهل وتخفّف عنهم غلواء غربتهم..
وسدنة الشربوت، معظمهم رجال ونادرا ما تنخرط النساء في إعداده، ليسوا على قياس واحد.. فمنهم من يُعدّه خفيفًا، بلحاً منقوعا فقط ،ومنهم من يتدرج في تخميره إلى مشارف “ الصهباء ”مشروب أهل الغياب، لكنه لا يبلغها توقيرا لقداسة أيام العيد.
صديقي الذي حدّثني ظهيرة العيد بذاك الصوت المتثائب وكأنه يجر الكلمات من تحت لهاته – يبدو لي أنه قد اغترف من تلك المشارف لأنه عاود الاتصال بي مساءً بصوت مشرق ونبرةٍ ممتلئة بالحيوية، مهنئًا بالعيد، وأظن أن حديثه خلال تلك الظهيرة ما كان إلا غفوة تحت ظلال الشينين.