.علي حجر يكتب:- ديوان العمدة – حجر العسل

د.علي حجر يكتب:-
ديوان العمدة – حجر العسل
عن ديوان العمدة ود بليلو نحكي…
ذلكم الديوان الذي يُعَدُّ عَلَمًا بارزًا وسط حجر العسل.
والحديث عن هذا الديوان يقودنا إلى الحديث عن البلولاب، وعن سوق ود بليلو، وذكرياتٍ وحكاياتٍ لا تُنسى…
ولكننا هنا بصدد الحديث عن ديوان العمدة، ذلك المقام الذي شهد حلّ النزاعات، والإصلاح، واستقبل النازحين، وظلّ بابه مفتوحًا لكل زائر لحجر العسل؛ من العلماء، والإعلاميين، والموظفين، والطلاب، وغيرهم من شرائح المجتمع، إلى يومنا هذا.
العمدة إبراهيم العوض بليلو أحمد – رحمه الله
المشهور بـ”ود بليلو”، وقد التقيت به شخصيًا؛ هو من رجالات حجر العسل الذين رحلوا عن دنيانا الفانية، تاركًا وراءه إرثًا متواصلاً بإذن الله.
كان العمدة إبراهيم مصدرًا حيًّا لذاكرة المكان؛ ساق إليّ ذكريات الديوان، وتجربة الحكم المحلي، والسوق، وإنشاء المدارس، وتجربة المجلس الريفي…
عن ذلك الجيل الجميل نكتب.
الديوان عبر الزمان
نعود إلى ديوان العمدة…
ذلك الديوان الذي استقبل عددًا من الوفود، ولعل أبرزهم الشيخ العبيد ود بدر – رحمه الله – عام 1820م.
وكان بناء الديوان قديمًا على هيئة حَوَر شمال موقعه الحالي، وكان يُربط فيه الدواب في مكان الماسكيت شرق الديوان.
أما الموقع الحالي، فإنه يُطلّ من الناحية الغربية على وادي أب قيدوم، وهو من أكبر الأودية في حجر العسل، ويمتد من البطانة حتى حجر العسل ومرنات.
وقد كان الوادي مليئًا بالأشجار والأعشاب إلى درجة أن المارّ لا يستطيع قطعه إلا بعد حرق الطريق بالنار.
ويقع الديوان شرق سوق حجر العسل.
ومن الوفود التاريخية التي حلّت به:
السيد الحسن ود السيد أحمد ود السيد عثمان الأقرب، والسيد الحسن أب جلابية، عام 1899م، بعد قدومه من الحجاز عن طريق مصر، حيث نزل في الصبابي، ثم مسجد بحري الكبير.
أما بير الديوان، فقد تم حفرها في عام 1939م، وكانت من أعذب المياه في المنطقة آنذاك.
كان الديوان دائم الاستقبال للأسر والضيوف، وزادت أهميته في زمن الفيضانات، خصوصًا بين الأعوام 1938م – 1946م، حين اضطر المواطنون إلى الخروج من داخل جزيرة مرنات، ثم عادوا إليها لاحقًا، إلى أن تم خروجهم النهائي في فيضان 1946م الشهير.
ظلّ هذا الديوان مفتوحًا طيلة تلك الفترة، وإلى اليوم، يستقبل الضيوف في كل وقت.
كما شهد اللقاءات العامة، ومجالس الشعر، لا سيّما أشعار جدّنا الشاعر أحمد ود حجر – رحمه الله – التي لا تزال بعض مقاطعها حاضرة على ألسنة الناس.
ديوان العمدة في حجر العسل نموذج يُحتذى به، حيث تشترك جميع الأسرة في خدمة الضيوف بلا تكلّف.
الحديث عن ديوان العمدة يقودنا إلى الحديث عن:
العمدة إبراهيم
العمدة البلولة
العمدة العوض – رحمهم الله جميعًا
والعمدة يوسف العوض بليلو أحمد العمدة الحالي متّعه الله بالصحة والعافية، ذلك الرجل المتواضع، الذي يستقبل زوّاره بالبِشر والترحاب.
ولا يفوتني ذكر الشيخ محمد عبد الغني الخير (الهواري) – متّعه الله بالصحة والعافية – وهو حلقة الوصل بين الديوان ومسجد حجر العسل الكبير.
رجلٌ لا يكلّ ولا يملّ، يجوب شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، يعمل الخير، يقرأ القرآن، ويواظب على الإرشاد.
تجده دائم التهليل، مستبشرًا بين زملائه وأصدقائه في الديوان.
ذكريات لا تُنسى
التقيت بالعمدة إبراهيم – رحمه الله الذي حكى لي عن حياته؛ فقد كان رجلًا فَكِهًا، لطيف المعشر، عاش بين أهله ووطنه، وقد ترأس مجلس القضاة المكوّن من أربعة أشخاص، والذي كان ينظر في القضايا، ويصدر القرارات، ويُوقع الغرامات، ويبتّ في السجن أو العفو، ويصلح بين الناس.
كما عمل كاتبًا للمحكمة، وكان معروفًا بالحكمة والانضباط.
كان ممتعًا في حديثه، لا سيما حين يروي عن:
كرت الجابرية
الغابة
أبو حليمة
معسكر ود بليلو في العزوزة، قرب قُري، لملاقاة جيش الإنجليز المتجه نحو أم درمان
وقصة السكن في أبو طليح شمال حلة دكين، ثم الانتقال إلى الموقع الحالي
ذكريات المفتش، وشيخ الخط، والعمل القضائي والإداري
وحكايات المجلس الريفي
والرواتب “الماهية” آنذاك، التي تراوحت بين 7 إلى 30 جنيهًا
وذكريات المواصلات التقليدية، ومحطات القطار في: جبل جاري، قُصاد البكاش، أب جداد، والقهاوي
ولا ننسى الحكايات عن العمدة العوض، والعمدة البلولة، وغيرهم من الأعلام.
هي ذكريات تستحق التوثيق والوقوف عندها طويلًا.
الحديث عن العمدة إبراهيم – رحمه الله – لا يكتمل إلا بذكر العمدة يوسف العوض – العمدة الحالي – الذي يواصل المسيرة.
التحية لأسرة العوض ود بليلو، ولأسرة أولاد قديم، ولكل من ينتسب إلى أسرة البلولاب العريقة، داخل وخارج حجر العسل.
وأخصّ بالتحية والتقدير العمدة يوسف العوض، الذي يحمل الراية، ونسأل الله أن لا تنقطع هذه المسيرة، بل أن تمتد جيلًا بعد جيل.
شِعرٌ من الوجدان:
كرمكُن من قديم كل يوم مُنمي وزايد
كرماُ مو سياسي ولو ظل النظام البايد
قدر ما الدنيا تستعبِد رجال وتعانِد
تلقى العمدة ليها يهين وليهو تسانِد
كرمكُن ذاتو ما زي الكرام بِجارا
إيديكن للضيوف غيثًا يصب مدرارا
بيوتكن فاتحة للمحتاج، مولّعة نارا
حتى ضيف الهجوع تكرّموه مرارا
نسأل الله التوفيق والسداد لجميع أهلنا في حجر العسل داخل وخارج السودان.
وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
د. علي حجر – حجر العسل