مقالات

د.يوسف محمد علي الناير ..يكتب من تحت دمار الميلشيا المتمردة تنهض إذاعة وفضائية الخرطوم(١)

د.يوسف محمد علي الناير ..يكتب
من تحت دمار الميلشيا المتمردة تنهض إذاعة وفضائية الخرطوم(١)

كيف نهضت إذاعة وفضائية الخرطوم من تحت ركام ودمار حرب ١٥ابريل ٢٠٢٣م؟
سنجيب عن هذا السؤال الاستراتيجي في سلسلة من المقالات التي نحاول من خلالها الحفر عميقا لتسجيل الحقائق والمعلومات الصحيحة التي ستكون مادة تاريخية للباحثين ودور العلم والمؤسسات الأكاديمية ومراكز الدراسات والبحوث في مجالات المعرفة المختلفة ، فالدولة السودانية تكتب تاريخها الحديث وقتئذ في ظل حرب الكرامة.
مدخل:
أدركنا منذ نعومة أظافرنا في منطقة كالندا ريفي العباسية تقلي أن (الضرا) جلسة تكافلية قديمة يجتمع فيها أهل القرية لشرب شاي وقهوة الصباح وتناول الوجبات والتفاكر حول القضايا الطارئة وذلك وفق طبيعة عملهم، ولكن الثابت أن أهل كل حي يجتمعون في ضراهم كل صباح لشرب الشاي والقهوة ولتناول وجبة العشاء في ومعرفة الأخبار والأحداث اليومية مساء وذلك في إطار البيئة المحيطة بالمجتمع. وقد ينهض سؤال لحظي مفاده، ما علاقة الضرا بالوضوع المطروح؟ نقول: إن العلاقة هي أن تسريبات حرب ١٥ابريل ٢٠٢٣م بدأت ونحن نودع شهر رمضان في الريف الجنوبي لأمدرمان، منطقة الصالحة- جادين جنوب- وكعادة الضريات في السودان تفتح الموضوعات للنقاش بعد صلاة المغرب بعد أن تبتل العروق ويذهب الظمأ. فمنذ ٢٧ رمضان ١٤٤هجرية بدأت النقاشات تتطور داخل ضرانا شيئا فشيئا حتى انقسم الضرا لثلاث مجموعات ، وقد تصاعدت الحرب الكلامية بين مناصري الجيش ومناصري الميلشيا المتمردة وأحيانا تكاد تندع معركة دواس الأيادي ولكن يتدخل حكماء الضرا فينزع فتيل الأزمة ولكن إلى حين .. يحدث هذا ومجموعة اللون الرمادي تراقب الموقف عن كثب وذلك للبحث عن وصفة سحرية مناسبة للتكيف مع هذه البيئة التي تطورت وأصبحت فيما بعد “مجموعة لا للحرب ” الداعم السري للميلشيا المتمردة. ومع تهديد الميلشيا المتمردة لمطار مروي تكشفت الأمور للأطراف كلها داخل ضرانا وفي أنحاء واسعة من السودان ودول العالم .
يوم الخميس ٢٠٢٣/٤/١٣م عقب صلاة المغرب كنت في الفندق الكبير للوقوف على استعداد فريق الفضائية لتسجيل سهرة العيد مع الأستاذ أحمد عثمان حمزة والي ولاية الخرطوم حيث استمر التسجيل حتى الساعات الأولى من صباح الجمعة٢٠٢٣/٤/١٤م وفي يوم السبت ١٥ابريل ٢٠٢٣م خرجت من منزلي قاصدا مكان العمل حيث إن هيئةإذاعةوتلفزيون الخرطوم في أمدرمان على مرمى حجر من النيل ، وعند وصولي إلى الطابية وجدت الأوضاع قد تبدلت وتم إخراج الوردية الصباحية في الخدمتين الاذاعية والتلفزيونية، حاولت الوصول إلى المكتب ولكن بعض جنود القوات المسلحة أكدوا أن الدخول غير ممكن هذا اليوم فأدركت حينها أن الصدام قد وقع خاصة وأن دوي الانفجارات كان واضحا وأن دخان الحرائق أكد لساكني الخرطوم أن التكهنات بنشوب المعركة أصبحت حقيقة، فقررت على الفور العودة إلى البيت وبحمدالله وصلت بعد صعوبة بالغة بسبب الازدحام والهلع الذي سيطر على الخرطوم في تلك الأثناء.
مكثت في جادين جنوب خمسة شهور متصلة خرجت خلال هذه الفترة ثلاث مرات الأولى ذهبت إلى مستشفى الرخا في أمبدة بسبب الضرس، والمرة الثانية إلى السلاح الطبي لنفس الغرض ولكن هذه المرة كانت الظروف الأمنية مختلفة ومعقدة ، حيث كانت الدانات تستهدف المستشفى من الخرطوم أثناء وجودي داخل العيادة وقد شهدت بأم عيني تلك الأحداث . أثناء عودتي إلى الشقلة راجلا وجدت نفسي فجأة وسط وابل من الرصاص في محطة سراج جوار صيدلة محمد سعيد عندما حاول بعض أفراد ميلشيا الدعم السريع المتمردة العبور باتجاه الصيدلية مما اضطرني لاستخدم ساتر أشبه بالوقعة من شدة الخلعة وفجآءة الحادث ، وبيني وبينكم هي وقعة عدييييل!! ولكن في ظل الظروف المحيطة تفهم للناظر على أنها استخدام للساتر بلغة العسكرية .. فحمدت الله على السلامة وسلكت طريقي إلى الشقلة، أما المرة الثالثة فكانت إلى سوق صابرين ووقتها تم تحويل المواصلات من الشقلة إلى الإرسال فبعد إجراءات مشددة من الميلشيا المتمردة وصلت إلى الوحدة الإدارية لسوق صابرين حيث وجدت مدير الوحدة أخي وزميلي عثمان على سليمان قد بدأ في ترتيب أمر السوق في ظل ظروف أمنية بالغة الخطورة والتعقيد ولأنني عاصرت تلك الفترة العصيبة -ومع مرور الأيام ومتابعتي لمراحل تطور سوق صابرين حتى وصل إلى هذه المرحلة الراهنة- أدركت أن مدير الوحدة عثمان على سليمان قد أفرغ كل تجربته وخبرته للنهوض بهذا السوق الذي أصبح مع مرور الوقت أكبر سوق في الولاية من حيث القوة الشرائية والايرادات. وكان هدفي من صابرين التواصل مع الصرافة حنان هبيلا عوض الله للترتيب للذهاب إلى عطبرة لمعالجة مرتبات العاملين التي غابت عن الجيوب لشهور عدة بسبب الحرب.
في المقال القادم نرى كيف كان سيناريو خروجنا من الصالحة بسيارة ملاكي وسط ارتكازات الميلشيا المتمردة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى